حكم الإفطار في صيام التطوع
يعتبر الصيام من أهم العبادات التي فرضها الله تعالى على المسلمين، وهو وسيلة تربوية تهدف إلى تهذيب النفس والابتعاد عن الشهوات، وتدريب الجسد على ضبط النفس. إلى جانب الصيام المفروض مثل صيام شهر رمضان، هناك نوع آخر من الصيام الذي يُعرف بصيام التطوع، والذي يتسم بمزيد من المرونة، حيث يجوز للمسلم الإفطار فيه بشكل طوعي بشرط ألا يكون عليه صيام فرض.
ورغم أن صيام التطوع غير ملزم، فإن له مكانة عظيمة في الإسلام، وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من الآيات والأحاديث التي تحث المسلم على الاجتهاد في العبادة والطاعات، ومنها صيام التطوع. لكن يبقى السؤال الأهم: هل يجوز الإفطار في صيام التطوع؟ وما هي الأحكام المتعلقة بالإفطار في هذا الصيام؟
تعريف صيام التطوع
قبل الخوض في حكم الإفطار في صيام التطوع، من الضروري تحديد ما هو صيام التطوع. صيام التطوع هو الصيام الذي لا يُطلب من المسلم فرضه، مثل صيام أيام الإثنين والخميس، أو صيام أيام البيض من كل شهر هجري، أو صيام يوم عرفة وعاشوراء. ويُعدّ صيام التطوع من الأعمال المحبوبة في الإسلام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُكثر من صيام التطوع.
حكم الإفطار في صيام التطوع
الإفطار في صيام التطوع جائز ويعود إلى إرادة الشخص. فبخلاف الصيام الواجب مثل صيام رمضان، لا يوجد عقوبة على الإفطار في صيام التطوع، ويظل المسلم غير آثم إذا أفطر في يوم من أيام صيام التطوع، طالما أن هذا الإفطار لم يكن في يوم ذو خصوصية دينية، مثل يوم عرفة أو عاشوراء، حيث يُستحب الاستمرار في الصيام في هذه الأيام.
الأحاديث النبوية المتعلقة بصيام التطوع والإفطار فيه
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يَصوم تطوعاً في أيام كثيرة، وقد ورد في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: “أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان يصومُ الإثنينَ والخميسَ، وقالَ: أُحبُّ أن يُرفعَ عملي، وأنا صائمٌ” (رواه الترمذي). وهذا يدل على أهمية صيام التطوع.
أما فيما يتعلق بالإفطار في صيام التطوع، فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم” (رواه مسلم). من هذا الحديث نستطيع استنتاج أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمح لنفسه بالإفطار إذا كان يرى أنه يفضل ذلك، أو إذا كانت الظروف لا تساعد على إتمام الصيام.
الحالات التي يجوز فيها الإفطار في صيام التطوع
هناك عدة حالات يجوز فيها الإفطار في صيام التطوع، وهي كالتالي:
-
عند حاجة المسلم إلى الإفطار:
إذا شعر المسلم بحاجة إلى الإفطار بسبب الإرهاق أو العمل الشاق، أو بسبب ظروف صحية، يجوز له أن يفطر في صيام التطوع دون أي إثم عليه. ويعود هذا إلى أن صيام التطوع ليس فرضاً، بل هو عمل نابع من الرغبة في التقرب إلى الله تعالى. -
عند سفر المسلم:
كما هو الحال في الصيام المفروض، يجوز للمسلم أن يفطر في صيام التطوع إذا كان مسافراً. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “إِنَّ اللَّهَ يحبُّ أن يُؤتى رُخصه كما يكرهُ أن تُؤتى معصيته” (رواه مسلم). لذلك، لا يُطالب المسلم بالإصرار على الصيام في حال السفر إذا كان ذلك سيؤثر عليه. -
إذا كان الصيام يتعارض مع مهمات أو مسؤوليات دينية أو اجتماعية:
قد يتعرض المسلم في حياته اليومية لظروف تتطلب منه التركيز أو أداء واجبات معينة، وفي هذه الحالة، يجوز له الإفطار في صيام التطوع. فإذا كان الإفطار في صيام التطوع سيؤثر على أدائه لهذه المهام أو سيعوقه، يمكنه الإفطار. -
إذا كان الصيام يؤدي إلى ضرر صحي:
في حال كان صيام التطوع يسبب للمسلم ضرراً صحياً محققاً، فيجوز له أن يفطر ويتجنب الصيام حفاظاً على صحته. وهذا ينطبق على حالات المرض أو الإجهاد البدني الشديد.
هل يُستحب أن يُكمل المسلم صيامه في صيام التطوع إذا أفطر؟
الجواب على هذا السؤال يتوقف على نية المسلم وظروفه. إذا كان المسلم قد بدأ في صيام التطوع، ثم شعر أنه يمكنه إتمامه أو إذا كانت ظروفه لم تعد تعيق الصيام، فإنه يُستحب له إتمامه. ولكن إذا كانت أسباب الإفطار التي دفعت المسلم إلى قطع صيامه صحيحة ومشروعة، فلا إثم عليه.
من الملاحظ في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُلزم المسلمين بأداء صيام التطوع بشكل دائم. بل كان يبين لهم أنهم ليسوا مجبرين على إتمامه في حال وجود عائق. وقد ورد في حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها: “أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها يومًا فقال: هل عندكم شيء؟ فقالت: لا، فقال: إذًا أنا صائم” (رواه البخاري). يوضح الحديث أنه لا يوجد إلزام دائم في صيام التطوع، وإنه يجوز الإفطار في حال عدم وجود داعٍ لذلك.
الحالات التي يُكره فيها الإفطار في صيام التطوع
على الرغم من أن الإفطار في صيام التطوع جائز في معظم الأحوال، إلا أنه هناك بعض الحالات التي يُكره فيها الإفطار، وهي كالتالي:
-
الإفطار في صيام أيام البيض أو الإثنين والخميس بدون عذر:
من الأفضل للمسلم أن يستمر في صيام التطوع في الأيام المستحب صيامها، مثل أيام الإثنين والخميس أو أيام البيض من كل شهر هجري. فإذا كان المسلم قد بدأ في صيام هذه الأيام ثم أفطر بدون عذر، فقد يكون ذلك مكروهاً، لأنه من المستحب الاستمرار في الصيام. -
الإفطار في أيام عاشوراء وعرفة بدون عذر:
في هذه الأيام، يُستحب الإكثار من الصيام، ويُكره الإفطار فيهما بدون عذر شرعي. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُكثر من صيام يوم عاشوراء، ولذلك يُستحب للمسلم أن يُكمل صيامه في هذه الأيام.
الخلاصة
الإفطار في صيام التطوع ليس محرمًا أو واجبًا على المسلم، بل هو أمر يعود إلى الشخص نفسه وظروفه. فصيام التطوع يظل عملاً نابعًا من الرغبة في التقرب إلى الله تعالى، ولا يعاقب المسلم على الإفطار فيه. يجوز الإفطار إذا كانت هناك حاجة لذلك مثل التعب أو المرض أو السفر، لكن يُفضل أن يحرص المسلم على إتمام صيامه إذا كانت الظروف تسمح بذلك.
من المهم أن يفهم المسلم أن صيام التطوع ليس عبئًا عليه، بل هو عمل طوعي يعزز من تقربه إلى الله، ويعكس مرونة الإسلام في التعامل مع مختلف ظروف الحياة.
